الجمعة، 26 يونيو 2009

بالحلال.. طبعا


لم يكن لها حيلة فيما جرى فالأمر ما امروا
وهل كان بوسعهم رفض اغراء كهذا؟..الحاج سامى كان قادما من الكويت فى اجازة قصيرة وكان بحاجة الى زوجة..فترة الاجازة فقط
شيخ فى الرابعة والستين بحاجة الى زوجة؟..نعم..وفترة الاجازة فقط فلم يكن له أبناء فى مصر..هم فى الخارج..وكأن هذا ذنبها..وهم..هم فقراء يكفون يومهم بصعوبة وتدبير..تدبيق كما يقولون..فهما كانا أبوين لستة من اعمار مختلفة وكانت هى كبراهم..وكان هذا -أيضا- ذنبها
ولم يكن بوسعها الاعتراض فهى كانت بطبيعة الحال..خرساء..وكان هذا ذنبا آخر..وجميلة..وكان هذا ذنبا ليس الاخير
كانت لهم جارة تتربح من نشاطات غريبة غامضة وفى هذه الايام الغبراء كثرت الجارات اللائى يتربحن من النشاطات الغريبة الغامضة - وهذا أيضا أحد ذنوبها – هى من دلت الحاج سامى على بيتهم..فهى كانت تعرف طلبه جيدا..شابة جميلة تقضى معه فترة اجازته..بالحلال..طبعا..وبثمن خيالى..خيالى بالنسبة لساكنى الأسطح مثلهم
بيع..هذه هى الكلمة..انهم يبيعونها..لا..انهم يؤجرونها فقط..فهم أيضا كانوا يعلمون ان الأمر لن يطول..وكله بالحلال..طبعا
مندهشة هى من اصرار شيخ كهذا على ان يتزوج أياما معدودات..بحجة الحاجة لمن يراعيه فى زيارته..كان يمكن أن يؤجر خادما..أو حتى خادمة
لكنهم لم يقفوا طويلا امام أسئلة عقيمة كهذه فالثمن كان مغريا بحق..
- ده شرف لينا يا حاج سامى
هكذا كان رد أبيها على رغبة الحاج:
- بنتك هتعيش معايا معززة مكرمة
هى لم تسمعه يقول هذا..بل سمعته - بمنتهى الوضوح – يقول:
تبيعوا لحمكم بكام؟
وكان أبوها يرد بامتنان:
اللى تجود بيه يا حاج
ولم يرد ذكر فترة الاجازة فى الموضوع..فجارتهم الغامضة أوضحت لهم كل شيئ..وقالت لهم ان كله فى الحلال..طبعا
فتحت فمها..ثم تذكرت أنها بكماء..ولم تكن لتنطق لو لم تكن بكماء فالغصة فى حلقها تقف كالسد..أشارت بيديها..هزت راسها يمينا ويسارا..ضربت الارض بقدميها..فعلت كل ما بوسعها لتعبر عن الرفض..ولم يكن احدهم على استعداد لسماعها بل لم يكونوا على استعداد حتى للنظر فى عينيها
أبوها يقول:
الحاج سامى راجل محترم وهيحافظ عليكى..سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال اذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..وكله فى الحلال..طبعا
كانت تسمعه - بمنتهى الوضوح – يقول:
اذا جائكم رجل من الكويت بمبلغ زى ده..اوعوا ترفضوا طلبه..حتى لو كان لحمكم
وتسمعه أيضا – دون ان ينطق – يقول:
اخواتك مصاريفهم كتيرة والعيشة بقت نار..وانت مايرضيكيش البهدلة اللى احنا فيها دى
وهنا صمتت..صمتت من الاعياء ومن اليأس ومن فرحة اخوتها الصغار بالسيارة الفارهة التى رقدت أمام بيتهم عندما جاء الحاج وكل منهم يمنى نفسه بنزهة الاحلام فيها
وظلت على صمتها – هى خرساء على كل حال- فى يوم الزفاف وامها تضيف لمسات الزينة على وجهها الجميل بطبيعته..وجهها الجميل الذى كان شؤما عليها..ومنجم ذهب عليهم
وحتى لو لم تكن خرساء..ما كانت لتنطق بحرف وهى تخطو الى شقة الحاج سامى التى تكلفت اموالا طائلة لم تنقص شعرة من ثروة الحاج
وخطر لها أن ثمن أقل تحفة فى الشقة يفوق الثمن الذى تقاضاه اهلها وهم يبيعونها..حقا كاد الفقر أن يكون كفرا
ماحاجة ذلك الرجل الى الزواج؟..حتى الان هى لم تعرف الاجابة ..وأغلب الظن لن تعرفها..ولماذا هى بالذات مادام يملك ما يمكنه من الزواج بابنة أكابر؟..ثم فهمت..الأكابر لا يبيعون لحمهم..هو كان بحاجة لمن يبيع لحمه..ولقد وجد
كان يبرم صفقة بالملايين عبر الهاتف فى غرفة النوم وهم بملابس الزفاف بعد..تأملت صورتها فى المرآة العملاقة..كانت جميلة بحق – هى لا المرآة- وكان هذا ذنبها
خطت ببطء نحو الشرفة وهو من وراءها يصيح فى الهاتف:
- سبعة مليون..مش ستة يا باشا..ربنا يباركلنا فى معاليك
وبفستان الزفاف وقفت ترمق المارة فى الشارع..بكم يبيع كل واحد منهم لحمه؟
- بعد بكرة بأمر الله هندخل مزاد المراكب القديمة..مش هاوصي معاليك يا باشا
كانت تلعن الحاج॥تلعن الفقر..تلعن جمالها..جارتهم..وأبويها أيضا..تلعن كل ذلك وهى تتسلق سور الشرفة ..تلعن كل شيئ فى الدنيا وهو يضع السماعة ويلتفت خلفه ليرمقها بذهول وعنقها يلتوى للوراء لتلقى عليه نظرة باردة خاوية..وتقفز।



انتهت القصة॥وطبعا يا حبايبى الصغيرين هى قصة خيالية مبتحصلش فى الواقع لأنه فى الواقع الناس مرتاحين ومبسوطين والمواصلات فاضية والأسعار رخيصة ॥ أنا بس حبيت احكيلكم حكاية قبل النوم (انتو بجد بيجيلكم نوم؟) ومن فضلكم محدش يشتم جدو على حكاية زى دى بيحكيها قبل النوم ॥ لأن الحكايات اللى هتتحكى بعد الصحيان من النوم ॥ حاجة تانية خالص ॥ تصبحوا على خير

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم
    جدو
    شوف بقي
    من الواضح تمام اننا بصدد موهبة
    لغتك منسابة قوي
    وتحكمك فى الالفاظ ممتاز
    وبجد اكتر حاجة بحييك عليها هى براعتك فى حبكة القصة
    وان كنت بختلف معاك فى حاجة واحدة
    وهى مدى احتياجنا للنضارة السودا
    علشان نعرف نمشي فى عز الشمس والحر
    بس بجد بحييك على التدوينة الجميلة دي
    وانا من هذا المزنق احب اقول
    نورت يا جدو

    ردحذف
  2. سقراط العزيز..فى البداية لم أفهم سر النور المبهر الذى أغشى بصرى عندما فتحت المدونة وأنا الذى أذكر أنى جعلت خلفيتها سوداء ثم عرفت مصدر النور عندما عرفت أن مدونا بقامة سقراط قد عرج على مدونتى المتواضعة جدا..أما بالنسبة للنظارات السوداء فإن احدا لا يلبسها إلا إذا أحس فعلا بلهيب الشمس المؤذى..وهى حارقة جدا فى مصر بالمناسبة..يمكننا - أى سقراط العزيز - أن نسود الصفحات الطوال عن روعة الحياة وبداعة الجو وهو ما لا أعترض عليه شرط أن يكون صحيحا..وإلا يغدو الأمر كمن ترتدى فستان الزفاف فى سرادق المأتم كما قال أحمد مطر..لا أنكر نزعة تشاؤمية قد يكون مبالغا فيها فى كتاباتى وفى طبعى عموما..لكنى أسالك وضيوف المدونة القادمين أن تغفروها لى فما هى فى النهاية إلا تخاريف عجوز قد تطيش وقد تصيب

    لن أقول مرحبا بك فى مدونتى فمكانتك منها بمكانة صاحب الدار..لكن لا تغيب عن جدو طويلا من فضلك فقليل هم أحفادى الذين اشعر معهم بهذا القدر من الألفة والونس

    ردحذف